ملخص
الجهود الدبلوماسية في التصعيد الحالي تقودها إيران، لكن التجارب السابقة أثبتت عدم نجاحها في الاتفاق مع تركيا، إذ إن الرئيس رجب طيب أردوغان يفضل التعامل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ما يتعلق بالملف السوري.
لليوم الخامس على التوالي تتصدر معارك شمال ووسط سوريا أجندة الإعلام العالمي بعد التقدم السريع والمفاجئ لفصائل المعارضة المسلحة بما فيها هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقاً، والتي استولت على ما بقي من محافظة إدلب وكامل مدينة حلب وأطراف ريف حماة الشمالي.
وبالتزامن أطلق "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا عملية أخرى في ريف حلب الشمالي ضد قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية التي تقول تركيا إنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، أما إيران فقد غابت عن المشهد الميداني وسارعت إلى الدبلوماسية فيما شن الطيران الروسي غارات جوية عدة في إدلب وحلب، فماذا عن "اليوم التالي" في سوريا؟
تراوح السناريوهات المتوقعة بين أربعة احتمالات تراوح بين نجاح الجهود الدبلوماسية التي تكثفت بعد أمس السبت، وتحقيق وقف لإطلاق النار عند حدود الواقع الجديد، وبين هجوم معاكس يغير الخرائط مجدداً لمصلحة النظام، أو استمرار المعارك لفرض حل سياسي مشترك، والاحتمال الأخير هو استمرار المعارك حتى سقوط دمشق والنظام.
الحقائب الدبلوماسية
وأعلنت وزارة الخارجية التركية في بيان رسمي أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سيزور تركيا غداً الإثنين، ومن المقرر أن يلتقي خلال الزيارة نظيره التركي هاكان فيدان لبحث الأوضاع في سوريا.
وعراقجي سيصل أنقرة قادماً من دمشق بعد توجيهه اتهامات إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بدعم الفصائل السورية التي حققت تقدماً لم يشهده النزاع السوري من قبل، وفي السياق ذاته أفاد مصدر تركي مطلع أن وفداً أمنياً وصل من دمشق إلى مدينة أنطاليا جنوب تركيا أمس السبت، ومن المقرر أن يلتقي مسؤولين في الاستخبارات التركية لمحاولة التوصل إلى اتفاق لوقف تقدم فصائل المعارضة، إلا أن المصدر الذي صرح لـ "اندبندنت عربية" استبعد إمكان أن ينجح وفد دمشق في هذه المهمة، علماً أن مصدراً تركياً آخر نفى وصول هكذا وفد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن دمشق أجرى رئيس النظام السوري اتصالات هاتفية عدة مع مسؤولين في الدول العربية أعربوا عن دعمهم لـ "ضمان وحدة وحماية الأراضي السورية ضد الإرهاب".
وبالنسبة إلى الجهود الدبلوماسية التي تقودها إيران خلال التصعيد الحالي، فقد أثبتت التجارب السابقة عدم نجاحها في الاتفاق مع تركيا، إذ إن رجب طيب أردوغان يفضل التعامل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ما يتعلق بالملف السوري، وسبق خلال الأعوام الماضية أن استطاعت لقاءات بوتين - أردوغان تحقيق اتفاقات عدة ونتائج انعكست على الميدان، وأسهمت في وقف لإطلاق النار في سوريا استمر أربعة أعوام، ولذلك فإذا لم تتدخل روسيا دبلوماسياً وتجري محادثات مع تركيا فمن غير المتوقع أن تنجح القنوات الدبلوماسية في وقف الاقتتال داخل سوريا.
هجوم معاكس
ومع ليل السبت - الأحد توقفت المعارك نسبياً في مدينة حماة، فيما شن الطيران الروسي سلسلة غارات جوية على محافظتي إدلب وحماة، أما جيش النظام السوري فقد أعلن أنه يتحضر لهجوم معاكس يستعيد فيه المناطق الواسعة التي خسرها خلال الأيام القليلة الماضية، لكن أي هجوم للنظام لا يمكن أن ينجح إلا إذا ترافق مع دعم جوي روسي واسع النطاق.
وتعليقاً على هذه النقطة يقول الدبلوماسي السابق والمحلل الروسي رامي الشاعر إن "الطيران الروسي لن ينفذ عمليات ضد الشعب السوري، إذ إن المسؤولين في روسيا يدركون أن ما يجري في سوريا سببه الأول هو المماطلة من قبل حكومة دمشق في إجراء تقدم ملموس في الحل السياسي والتوافق على دستور جديد يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته العرقية والطائفية".
ويضيف الشاعر لـ "اندبندنت عربية" أن "الدول الضامنة لـ 'مسار أستانا' وهي تركيا وروسيا وإيران، أسهمت بفرض تهدئة خلال الأعوام الماضية كان الهدف منها هو تهيئة العامل السوري الداخلي للبدء في عملية سياسية حقيقية وفق القرار الأممي رقم (2254)، لكن الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته لم يقدما أي إسهام للمضي قدماً نحو هذا الحل، أما بالنسبة إلى روسيا فإنني أؤكد أن طيرانها لن يتدخل بصورة فعلية ولن يشن غارات ضد الشعب السوري، وأعتقد أن الحل الوحيد اليوم هو الانتقال الفوري إلى حل سياسي وفق القرار (2254)".
استمرار المعارك وفرض الحل
وهذا الاحتمال هو الأقرب إلى الواقع الميداني اليوم، إلا أن المفاجآت ستبقى سيدة الموقف خلال الأيام والساعات المقبلة، ويتمثل هذا السيناريو في استمرار الفصائل بمهاجمة أهداف جديدة وسط سوريا، وخصوصاً في محافظتي حمص وحماة، وهذا يسمح لها بقوة في فرض حل سياسي على النظام.
وتعليقاً على هذه الجزئية يقول الأكاديمي التركي أوموت بيرهان لـ "اندبندنت عربية" إن "الأهم بالنسبة إلى روسيا وإيران هو عدم سقوط دمشق لأن بقاء الصراع خارجها هو قوة للمعارضة لكنه لا يُسقط النظام، لكن يمكن للمعارضة فرض الحل في حال استمرت بالسيطرة ووصلت إلى حمص وحماة، وبعد هذا التقدم الكبير والمفاجئ لم يعد أمام دمشق مزيد من المماطلة، فقد فرض السلاح الآن على الأسد اتخاذ خطوات جديدة لحكومة مشتركة مع المعارضة السورية، وحل سياسي يعيد ملايين اللاجئين لوطنهم".
ويضيف، "لقد شاهدت الفيديوهات القادمة من حلب والجميع رأى كيف أن أهاليها سعداء الآن إذ أصبح بإمكانهم أن يعودوا لمدينتهم، وألم يكن بوسع الحكومة السورية أن تسمح لهم بالعودة أثناء سيطرتها عليها من دون أن تحاسبهم أو تعتقلهم؟ باختصار حان وقت الحل في سوريا".
سقوط دمشق
وسقوط دمشق يعني بلا شك سقوط النظام في سوريا، وعلى رغم أن هذا السيناريو لا يزال بعيداً ومن الباكر الحديث عن ذلك، لكن الأحداث تجري بأسرع مما يمكن قراءتها وتحليلها، وهنا يقول الأكاديمي التركي أوموت بيرهان إن "هذا السيناريو أيضاً قائم، فليس من المستبعد أن تشن الولايات المتحدة أو طائرات التحالف الدولي غارات جوية تسمح للمعارضة السورية بدخول دمشق".
ويختم حديثه بالقول إن "دمشق ليست سهلة لأنها العاصمة والمعقل الأساس للنظام، ودخول المعارضة إليها يؤدي على الفور إلى نهاية النظام، وأعتقد أن النظام بعد انسحابه من شمال ووسط سوريا حاول تحصين دمشق بصورة أكبر، لذلك فإن سقوطها بيد المعارضة أمر صعب لكنه ممكن إذا كان هناك دعم دولي أو أميركي".
وعلى رغم شنه غارات عدة خلال الساعات الأخيرة، لم يرقَ التدخل الجوي الروسي حتى الآن للمستوى المطلوب، ومنذ اندلاع النزاع السوري كانت تركيا تتفاوض مع روسيا واليوم إيران هي التي تتحرك دبلوماسياً، ولا يبدو أن تركيا ستتفق مع إيران لأن تركيا وإيران على رغم "صداقتهما المحدودة" أعداء في سوريا، ويبدو أن المؤشرات الحالية توحي بحل سياسي قريب في سوريا، سواء من خلال الدبلوماسية أو من خلال فرضه دولياً وعسكرياً.